![]() |
الاستدامة في ممارسات المناظر الطبيعية |
الاستدامة في اللاندسكيب المعماري.
ومع تفاقم هذا التأثير، بدأ المعماريون بتبني مفهوم التصميم المستدام، إلى جانب الاهتمام بالجمال الوظيفي، من خلال التركيز على التصميم الحضري، والحدائق العامة، والمساحات المفتوحة، وممرات المشاة، باعتبارها عناصر خارجية تؤثر بشكل مباشر في الحياة اليومية للأفراد.
ويشمل هذا التوجه أيضًا دراسة معمّقة للبيئة، والتربة، والنباتات، والموارد المائية، بالإضافة إلى الجوانب الجمالية والتقنية. وقبل التعمق في أنواع الاستدامة، ينبغي أولًا فهم هذا المفهوم بوضوح.ما هو مفهوم الاستدامة؟
الاستدامة (Sustainability) هي القدرة على تلبية احتياجات الحاضر دون التأثير سلبًا على قدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها. وتشمل الاستدامة ثلاثة أبعاد رئيسية: البيئة، الاقتصاد، والمجتمع، وتُضاف إليها أبعاد العمران والتخطيط عند الحديث عن التصميم العمراني. أما في مجال اللاندسكيب، فتُعد الاستدامة أحد الركائز الأساسية التي ينبغي أن تُدرّس وتُمارس لضمان بيئات حضرية صحية ومتكاملة.أمثلة عملية على تطبيق مبادئ الاستدامة في مجالات مختلفة.
ولتوضيح كيفية تطبيق مبادئ الاستدامة في الواقع، نستعرض فيما يلي بعض النماذج الملهمة من مجالات متعددة، والتي يمكن الاستفادة منها في تطوير تصميمات اللاندسكيب المستدامة:
- الاستدامة في الزراعة: تُطبق مبادئ الاستدامة الزراعية من خلال ممارسات مثل الزراعة العضوية، والزراعة بدون تربة، واستخدام تقنيات الري بالتنقيط. تساهم هذه الأساليب في تقليل الاعتماد على المبيدات الكيميائية، والحفاظ على جودة التربة، والتنوع البيولوجي.
- البناء المستدام: يتجلى في استخدام مواد بناء صديقة للبيئة مثل الطوب الطيني والعزل الحراري المستدام، بالإضافة إلى الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة في تشغيل المباني، مما يساهم في تقليل البصمة الكربونية.
- النقل المستدام: يُعزز من خلال تشجيع استخدام وسائل النقل العام، والدراجات الهوائية، والسيارات الكهربائية، إلى جانب توفير بنية تحتية تدعم أنماط التنقل المستدام وتحد من الانبعاثات الضارة.
- إدارة النفايات: تُنفذ مبادئ الاستدامة في هذا المجال عبر تقليل إنتاج النفايات، وزيادة معدلات إعادة التدوير وإعادة الاستخدام، وتطوير محطات معالجة متقدمة تحد من التلوث، خاصة التلوث البلاستيكي.
- التعليم والتوعية: يُدعم مفهوم الاستدامة من خلال نشر الوعي البيئي عبر البرامج التعليمية، وورش العمل، والحملات الإعلامية، التي تُسهم في ترسيخ ثقافة الحفاظ على الموارد الطبيعية، وتعزيز السلوكيات المستدامة لدى الأفراد والمجتمعات.
الاستدامة البيئية.
تُعد الاستدامة البيئية من أهم محاور التنمية المستدامة، إذ تهدف إلى تحسين رفاهية الإنسان من خلال حماية رأس المال الطبيعي مثل الغلاف الجوي، التربة، المياه، والموارد البيولوجية، مع التركيز على تقليل البصمات الكربونية، وتقليل النفايات، وترشيد استخدام المياه. تسعى هذه الاستدامة إلى الحفاظ على البيئة ومواردها والحد من التأثيرات السلبية عليها، بما يضمن توافرها للأجيال الحالية والمستقبلية، من خلال الاستخدام الأمثل لهذه الموارد وتجنب الإسراف والتدهور البيئي.
واحدة من أبرز ركائز الاستدامة البيئية هي حماية الموارد الطبيعية، والتي تعني استهلاك هذه الموارد بشكل مسؤول دون إهدار أو استنزاف يؤثر على حقوق الأجيال القادمة. ومن هنا، يبرز دور حماية التنوع البيولوجي كعنصر أساسي لضمان توازن واستمرارية النظم البيئية. إن تصاميم اللاندسكيب المستدامة تعزز من زراعة الأنواع المحلية والمتكيفة بيئيًا، مما يساهم في حماية الكائنات الحية من الانقراض، ودعم وجود نظم بيئية صحية ومتوازنة.
جانب آخر مهم يتمثل في استدامة الطاقة، حيث أدى التطور التكنولوجي المتسارع إلى زيادة الاستهلاك المفرط للطاقة. ومن هذا المنطلق، ظهر مفهوم الاستدامة كوسيلة للحد من هذا الاستهلاك، وذلك باستخدام مصادر طاقة طبيعية ومتجددة ونظيفة. تلعب تقنيات الطاقة المتجددة دورًا جوهريًا في توفير الكهرباء، تدفئة المنازل، وتشغيل المركبات، وسنستعرض لاحقًا أمثلة حية لتطبيق هذه التقنيات في تصميم وتنفيذ مشاريع اللاندسكيب عبر موقعنا "لاندسكيبيا بالعربي".
كما يُمكن تعزيز كفاءة استخدام الطاقة من خلال تطبيق حلول مثل العزل الحراري للأسطح، واستخدام الألواح الشمسية في إضاءة المساحات الخارجية.
أما فيما يتعلق بـالموارد المائية، فإن الحفاظ عليها يُعد من أهم أولويات الاستدامة البيئية. فالماء مورد حيوي لا غنى عنه، ويجب حمايته من التلوث والإهدار. يمكن تحقيق ذلك باستخدام تقنيات ترشيد الاستهلاك مثل أنظمة الري الذكي المزودة بألواح تحكم أوتوماتيكية، أو من خلال تجميع مياه الأمطار وإعادة استخدامها، أو إعادة تدوير المياه الرمادية الناتجة عن المباني.وأخيرًا، تكتمل جوانب الاستدامة البيئية من خلال تقليل التلوث والانبعاثات الكربونية، وذلك بالاعتماد على المركبات والمواد الصديقة للبيئة، وإعادة تدوير المواد المستخدمة في المشاريع، خصوصًا في أعمال الهاردسكيب، مما يُسهم بشكل مباشر في تقليل التأثير البيئي الضار.
الاستدامة الاقتصادية.
تركز الاستدامة الاقتصادية على تحقيق الكفاءة وتقليل الهدر في استخدام الموارد والمواد، من خلال اختيار خامات مستدامة وفعّالة من حيث التكلفة. قد تكون التكلفة الأولية لبعض الحلول المستدامة مرتفعة، إلا أن العائد الاقتصادي منها على المدى الطويل – كخفض استهلاك المياه والطاقة وتقليل تكاليف الصيانة – يجعلها استثمارًا ناجحًا وذكيًا.
وتُعد دعم الاقتصاد المحلي جزءًا جوهريًا من هذا التوجه، حيث يُفضل استخدام النباتات المحلية والمواد المصنعة محليًا، مما يُخفف من الأعباء المالية على المجتمعات ويُسهم في تنشيط الاقتصاد المحلي. كما تُوفر هذه الممارسات فرص عمل لقطاعات متنوعة، بدءًا من الزراعة والتصنيع، وصولًا إلى التنفيذ والصيانة، مما يعزز من الدور الاجتماعي والاقتصادي لمشاريع اللاندسكيب المستدامة في تنمية المجتمعات المحلية.الاستدامة الاجتماعية.
تتمثل الاستدامة الاجتماعية في تحسين حياة الإنسان الجسدية والصحية من خلال تخطيط عمراني يضع رفاهية الإنسان في مقدمة أولوياته. ويسهم هذا النوع من التخطيط في تحسين جودة الحياة عبر الاهتمام بزراعة المساحات الخضراء وتوفير بيئات مريحة وآمنة للتجمعات والنشاطات الاجتماعية، مما يعزز من رفاهية الأفراد والمجتمع ككل.كما تتجلى العدالة الاجتماعية في توزيع الموارد بشكل متوازن، بحيث يتم ضمان توزيع المساحات الخضراء والخدمات الحضرية بعدالة بين مختلف فئات المجتمع، بهدف تقليل الفجوة بين الأحياء الراقية والمهمشة. إلى جانب ذلك، فإن تعزيز الوعي والمشاركة المجتمعية يمثل جانبًا مهمًا من جوانب الاستدامة الاجتماعية، حيث يتيح تصميم المساحات العامة بطريقة تفاعلية إشراك السكان المحليين في تخطيطها وصيانتها، مما يُنمي شعورهم بالانتماء ويُسهم في تعزيز الوعي البيئي الجماعي.
الاستدامة في العمران والتخطيط.
كما يتطلب تحقيق الاستدامة العمرانية تخطيطًا حضريًا مرنًا ومتكيفًا، يسمح للمدن بالتجاوب مع التغيرات المناخية واحتياجات السكان المتغيرة، وذلك من خلال تطوير شبكات خضراء ومرافق قابلة للتجديد. علاوة على ذلك، فإن تقليل البصمة الكربونية للمدن يُعد من أهم أهداف الاستدامة، ويتم ذلك عبر اعتماد وسائل النقل المستدامة، والإهتمام بزراعة نباتات الزينة، وتحسين كفاءة استخدام الطاقة في الفضاءات الخارجية، مما يُسهم في تقليل الانبعاثات وتحقيق بيئة حضرية صحية ومستدامة.