هل زراعة أشجار الزينة تهدد موارد مصر المائية؟

يجب اللجوء الى حلول اخرى دون المساس بزراعه نباتات الزينه لما لها من فوائد بيئيه ومجتمعيه واقتصاديه
 Cutting Ornamental Plants: Is It the Best Solution

تُعد مصر من أكثر الدول تأثرًا بندرة المياه والتغيرات المناخية، نتيجة موقعها الجغرافي، واعتمادها شبه الكامل على نهر النيل كمصدر رئيسي للمياه. ويُضاف إلى ذلك النمو السكاني المتسارع، وتزايد الطلب على المياه، فضلًا عن التحديات المرتبطة بانخفاض كفاءة إدارة الموارد المائية المتاحة، والأبعاد السياسية الإقليمية مثل بناء سد النهضة.

في ظل هذه التحديات، يطرح البعض حلاً يتمثل في التوقف عن زراعة نباتات الزينة لتوفير المياه وتوجيهها إلى قطاعات أكثر أولوية. لكن، هل يُعد هذا حلاً مناسبًا بالفعل؟

للإجابة على هذا السؤال، علينا أولًا أن نفهم الآثار المترتبة على مثل هذا القرار.

آثار إزالة أشجار الزينة على البيئة والاقتصاد.

تقليص المساحات الخضراء قد يؤدي إلى سلسلة من الخسائر طويلة المدى، لا يمكن تعويضها بسهولة ومنها:

  • نخسر أنواعًا مميزة من النباتات، بعضها نادر ولا يمكن تعويضه بسهولة، مما يُفقر التنوع النباتي.
  • الأشجار والنباتات تحافظ على صحة التربة، وتوفر لها العناصر الغذائية. بدونها، تصبح التربة ضعيفة الخصوبة وغير صالحة للزراعة.
  • الكثير من الحشرات والطيور والحيوانات تعتمد على الأشجار كمصدر للغذاء والمأوى، ومع غيابها يختل التوازن البيئي.
  • الأشجار تساهم في عمليات التبخر والنتح، ما يساعد في تكوين السحب ونزول الأمطار. إزالتها تؤدي إلى ضعف دورة المياه الطبيعية وزيادة الجفاف.
  • الجذور العميقة للأشجار تُساعد في تسريب مياه الأمطار إلى باطن الأرض، مما يدعم مخزون المياه الجوفية. بدونها، تتراجع هذه العملية المهمة.
  • الأشجار تمتص ثاني أكسيد الكربون، أحد الغازات المسببة للاحتباس الحراري. ومع تقليل الغطاء النباتي، يتراكم هذا الغاز ويزيد من حرارة المناخ.
  • النباتات تعمل كـ"فلاتر طبيعية" تمتص الملوثات وتُنقي الجو، وغيابها يعني هواءً أقل نقاءً وصحةً.
  • المساحات الخضراء تمنح المدن والمناطق السياحية مظهرًا جماليًا وبيئة مريحة للناس، وبدونها تتراجع جودة الحياة وفقدان الجمال والراحة النفسية.
  • خسارة العديد من المزارعين، والفنيين، والعاملين في مجال النباتات لمصدر رزقهم نتيجة تقليص زراعة الأشجار والنباتات.
  • انخفاض إنتاج المواد الطبيعية مثل الأخشاب والزيوت والعطور والأصباغ كمنتجات تستخرج من النباتات وتشارك في الصناعات المحلية.
  • تأثر الصناعات الزراعية المرتبطة بزراعة نباتات الزينة، مثل إنتاج الأسمدة والمبيدات والأدوات الزراعية.
  • انخفاض قيمة العقارات نتيجة غياب التنسيق الطبيعي والمناظر الخضراء، إذ أن المناطق التي تتمتع بمساحات خضراء جيدة تكون أكثر جذبًا للسكان والمستثمرين، مما يرفع من قيمتها السوقية.

ما حجم زراعة نباتات الزينة مقارنة بإجمالي الزراعة في مصر؟

تُقدَّر المساحة المزروعة بالمحاصيل الغذائية في مصر بحوالي 9 ملايين فدان، مقابل نحو 30 ألف فدان فقط مخصصة لنباتات الزينة، أي ما يعادل نحو 0.33% من إجمالي المساحة الزراعية.

وهذه النسبة الضئيلة تُظهر بوضوح أن زراعة نباتات الزينة لا تشكل عبئًا فعليًا على الموارد الزراعية أو المائية كما يُشاع. بل على العكس، يمكن النظر إلى هذه المساحات كمورد اقتصادي وبيئي قابل للاستثمار، إذا ما تم اختيار الأنواع الملائمة للمناخ المحلي وتطبيق تقنيات ريّ حديثة توفر في الاستهلاك وتُحقق الاستدامة.

نظرة بالأرقام علي أسواق تصدير نباتات الزينة في مصر.

تواجه البلاد تحديات كبيرة في المنافسة بقوة في السوق العالمية على الرغم من تنوع نباتات الزينة المحلية. فمنذ عام 2008، فقدت مصر جزءًا كبيرًا من أسواقها الرئيسية في أوروبا، مما أدى إلى انخفاض حاد في صادراتها. ومنذ ذلك الحين، أصبحت صادرات مصر من نباتات الزينة تمثل أقل من 10% فقط من إجمالي صادراتها إلى هذه الدول، وذلك بسبب المنافسة الشديدة من دول مثل إسرائيل وكينيا وإثيوبيا.

نتيجة لذلك، أصبحت أكثر من 90% من صادرات مصر من نباتات الزينة وزهور القطف موجهة إلى الأسواق العربية، على رأسها المملكة العربية السعودية، التي تُعد السوق الرئيسية لهذه المنتجات. ومن اللافت أن السعودية نفسها تعمل كحلقة وصل لإعادة تصدير هذه النباتات إلى باقي دول الخليج.

ورغم أن 95% من إنتاج مصر من نباتات الزينة يُوجّه للتصدير، مقابل 5% فقط للسوق المحلية، إلا أن ضعف حجم الإنتاج المحلي يظل السبب الرئيسي وراء تراجع حصة مصر في السوق العالمية.

في عام 2022 / 2023، وصلت قيمة صادرات نباتات الزينة المصرية إلى نحو 340 مليون دولار فقط. هذا الرقم يوضح امكانية مصر في تحقيق عوائد دولارية مرتفعة من مساحات صغيرة من الأراضي، فما بالك إذا تم التوسع في الزراعة وإنشاء المزيد من المشاتل المتخصصة؟

هل يُغطي العائد الاقتصادي لنباتات الزينة تكلفة مياه الري المستهلكة؟

جدوى استمرار زراعة نباتات الزينة في ظل أزمة ندرة المياه وارتفاع تكلفة مياه الري تكمن في الأرقام والإحصائيات. وفقًا للإحصاءات الرسمية:

  1. تُقدر إجمالي كمية المياه المستخدمة في الري في مصر بحوالي 65.61 مليار متر مكعب سنويًا. ومن بين هذه الكمية، لا تتجاوز حصة نباتات الزينة حوالي 216.5 مليون متر مكعب سنويًا، أي ما يمثل تقريبًا 0.33% فقط من إجمالي المياه الزراعية.
  2. من حيث التكلفة، فباستخدام أنظمة الري الحديثة مثل الري بالتنقيط والري الموضعي، تُقدّر تكلفة ري نباتات الزينة بحوالي 433 مليون جنيه سنويًا، شاملاً تكاليف التشغيل والمعالجة. ورغم هذه التكلفة، فإن العائد الاقتصادي لنباتات الزينة يثبت جدواها بوضوح.
فبحسب دراسة حديثة صادرة عن وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، بلغ إجمالي قيمة سوق نباتات الزينة والزهور عالميًا عام 2021 نحو 39 مليار دولار، وكانت حصة مصر منها حوالي 0.7%، أي ما يعادل نحو 273 مليون دولار أمريكي.

بمقارنة بسيطة بين التكلفة والعائد، نلاحظ أن العائد من صادرات نباتات الزينة يتجاوز تكلفة الري بكثير، حتى عند احتساب الفارق في سعر العملة. وهذا دون احتساب العوائد غير المباشرة مثل فرص العمل، القيمة السياحية، وتحسين جودة البيئة.

وأكد الدكتور السعيد شعبان، أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة الأزهر، أن السوق العالمية لنباتات الزينة تشهد نموًا سنويًا متوقعًا بنحو 6% خلال الفترة من 2023 إلى 2025، مما يفتح أمام مصر فرصة حقيقية لزيادة حصتها في السوق العالمي من خلال التوسع في الإنتاج والتصدير.

وبالتالي، فإن نباتات الزينة ليست عبئًا مائيًا كما يظن البعض، بل هي مورد اقتصادي وبيئي يجب الاستثمار فيه بحكمة، من خلال الإدارة الرشيدة للمياه والتوسع في أنظمة الري الحديثة.

فوائد كثيرة وراء زراعة نباتات واشجار الزينة.

لا تقتصر أهمية نباتات الزينة على تجميل الأماكن العامة والخاصة، بل تتعداها لتؤدي دورًا بيئيًا حيويًا، خاصة في المدن ذات الكثافة السكانية العالية:
  • فهي تساهم في تقليل درجات الحرارة، وتنقية الهواء من الملوثات
  • رفع جودة الحياة في المناطق الحضرية.
  • أما الأشجار، فهي تُعد خطوط الدفاع الأولى ضد التصحر وتآكل التربة، بفضل قدرتها على تثبيت التربة بجذورها العميقة، والحد من انجرافها نتيجة الرياح أو الأمطار. كما تعمل على منع زحف الرمال وحماية الأراضي الزراعية من التدهور، ما يعزز من استدامة الإنتاج الزراعي.

وفي هذا السياق، يُعتبر إنشاء "الأحزمة الخضراء" من أنجح الحلول البيئية، إذ تساهم هذه المساحات الخضراء الفاصلة بين المناطق الزراعية والصحراوية في الحد من آثار التصحر، وتحسين خصوبة التربة، وضمان بقاء الرقعة الزراعية في مواجهة التغيرات المناخية والبيئية.

هل هناك حلول مبتكرة لتقليل استهلاك المياه دون تقليل الرقعة المزروعة؟

بدلاً من اللجوء إلى تقليص المساحات المزروعة أو التخلي عن زراعة نباتات الزينة، سلكت العديد من الدول طريقًا "خارج الصندوق" لحل أزمة المياه، من خلال ابتكار استراتيجيات متكاملة تقوم على تقسيم المشكلة وتحميل كل جانب منها إلى الجهات المختصة لتقديم حلول فعّالة ومستدامة. وتعتمد هذه الاستراتيجية على تكاتف الجهود الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني، من خلال تنفيذ عدة محاور، من أبرزها:
  • دعم إنشاء المشاتل وزراعة نباتات الزينة، وتوفير الأسمدة ومواد مكافحة الآفات للمزارعين بأسعار مدعومة من قبل الدولة.
  • فرض استخدام نظم الري الحديثة كالري بالتنقيط والري تحت السطحي، للحد من الهدر في استهلاك المياه.
  • تفعيل شبكات الصرف الزراعي وإعادة استخدام مياه الري المُعالجة أكثر من مرة، مما يعزز كفاءة استخدام الموارد.
  • تشجيع الإنتاج المحلي من نباتات الزينة وفتح الأسواق التصديرية أمامها، خاصة إلى دول الخليج وأوروبا، مما يسهم في زيادة العائد الدولاري ودعم الاقتصاد الوطني.
  • تحفيز البلديات والأحياء الحكومية على تشجير الميادين العامة والجزر الوسطى للطرق، بهدف تقليل درجات الحرارة، وتحسين جودة الهواء عبر امتصاص ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يصب في صالح صحة الإنسان ويخفف العبء الاقتصادي طويل الأمد.
  • الاستفادة من نباتات قليلة الاستهلاك للمياه مثل الصبّارات والنباتات العصارية، والتي تتميز بقدرتها العالية على التكيف مع البيئات الجافة، ويمكن إدراجها ضمن التصاميم التجميلية للمشروعات الكبرى.
  • حث المصممين والمعماريين على اختيار نباتات الزينة الصحراوية في مشاريعهم، لما لها من جمال بصري، وكفاءة بيئية، وعائد ملموس على مستوى التكلفة والصيانة.
بهذا الفكر المبتكر والتخطيط الذكي، يمكن لمصر أن تحافظ على مساحاتها الخضراء، وتوازن بين الاحتياجات البيئية والاقتصادية، دون أن تُهدَر مواردها الحيوية.

أهمية التوعية المجتمعية لحماية الأشجار والمسطحات الخضراء.

على الحكومات الحرص على نشر ثقافة الحفاظ على الأشجار والتشجير بدلا من قطعها وتوصيل فكره مساهمه الزراعات فى تقليل آثار التغير المناخي، وتعزيز الاستدامة البيئية، ممكن يكون حملات التوعيه عبر زيارات للمدارس والجامعات والقاء محاضرات بشكل دورى او حملات التوعية التلفزيونيه للوصول لاكبر قاعده من الجمهور.

مبادرة المليون شجرة: كيف غيّرت وجه المدن المصرية؟

هناك نماذج ناجحة قامت بها الحكومة المصرية كمبادرات "مليون شجرة" أو مشاريع تطوير الحدائق العامة، والتي ساهمت في تحسين البيئة المحلية وتقليل التلوث وتشجيع الزراعة المجتمعية. وقد انعكست هذه المبادرات بشكل إيجابي على الصحة العامة، من خلال تقليل درجات الحرارة في المناطق الحضرية، وتحسين جودة الهواء، وزيادة المساحات الخضراء المتاحة للمواطنين.

كما أسهمت في رفع الوعي البيئي لدى الأفراد، وخاصة الشباب، من خلال إشراكهم في أنشطة التشجير وتجميل الأحياء والمدارس. ويُعتبر دمج هذه المبادرات ضمن الخطط التنموية للمدن خطوة مهمة نحو تحقيق الاستدامة البيئية، وتحسين نوعية الحياة في المجتمعات الحضرية.

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا)

المصادر

  • معهد بحوث الاقتصاد الزراعي.
  • وزارة الزراعة واستصلاح الاراضي.
  • جريده الوطن 2023.
تعليقات