هل التضحية بنباتات الزينة لتوفير المياه ضرورة أم خيار خاطئ في مصر؟

يجب اللجوء الى حلول اخرى دون المساس بزراعه نباتات الزينه لما لها من فوائد بيئيه ومجتمعيه واقتصاديه
 Cutting Ornamental Plants: Is It the Best Solution

ندرة المياه في مصر وأسبابها الرئيسية.

تُعد مصر من أكثر الدول المعرضة لندرة المياه والتأثيرات السلبية لتغير المناخ، وذلك بسبب موقعها الجغرافي واعتمادها شبه الكامل على نهر النيل كمصدر رئيسي للمياه. خلال العقود الأخيرة، واجهت البلاد انخفاضًا ملحوظًا في مواردها المائية نتيجة النمو السكاني المتسارع، وتزايد الطلب على المياه، وسوء إدارة الموارد المتاحة، إلى جانب تأثير بناء السدود على طول مجرى النهر، وعلى رأسها سد النهضة.

وتزداد التحديات مع تفاقم التغيرات المناخية، حيث يؤدي ارتفاع درجات الحرارة إلى زيادة معدلات التبخر، مما يقلل من كميات المياه المتاحة ويُضاعف من احتياجات المحاصيل المائية مما يهدد الأمن الغذائي والإستقرار الإقتصادي في البلاد. هذا الوضع يُشكّل ضغطًا كبيرًا على القطاع الزراعي الذي يعتمد على نهر النيل لتوفير نحو 97% من إجمالي مياه الري.

في مواجهة ندرة المياه: هل التضحية بنباتات الزينة ضرورة أم خيار خاطئ؟

في ظل أزمة ندرة المياه، قد يرى البعض أن الاستغناء عن زراعة نباتات الزينة والأشجار هو الحل الأمثل لتوفير مياه الري. لكن هذا الاعتقاد يعد خيارًا خاطئًا، بل وقد يحمل في طياته آثارًا بيئية واقتصادية واجتماعية جسيمة. فتقليص المساحات الخضراء لا يوفّر فقط نسبة ضئيلة من المياه، بل يؤدي إلى:
  • فقدان التنوع النباتي المحلي، حيث تُفقد أنواع نباتية مميزة لا يمكن استعادتها بسهولة.
  • تدهور خصوبة التربة بسبب غياب النباتات التي تحافظ على البنية الحيوية للتربة وتزويدها بالعناصر الغذائية.
  • اختفاء بعض الكائنات الحية، إذ تُعتبر النباتات مصدرًا رئيسيًا للغذاء والمأوى للعديد من الحشرات والطيور والحيوانات، ما يؤدي إلى خلل في التوازن البيئي.
  • اضطراب دورة المياه الطبيعية، حيث يساهم تقليل عمليات التبخر والنتح في ضعف تشكل السحب ونقص الأمطار وزيادة معدلات الجفاف.
  • انخفاض تغذية المياه الجوفية، فالأشجار تلعب دورًا مهمًا في تسريب المياه إلى باطن الأرض.
  • تفاقم ظاهرة الاحتباس الحراري، إذ أن غياب النباتات يعني تراكم المزيد من ثاني أكسيد الكربون في الجو.
  • تدهور جودة الهواء نتيجة غياب دور النباتات في امتصاص الملوثات وتنقية الغلاف الجوي.
  • فقدان الجمال البصري والراحة النفسية، خصوصًا في المدن والمناطق السياحية التي تعتمد على المساحات الخضراء لتوفير بيئة مريحة وجذابة.
  • خسارة وظائف قطاع زراعة وصيانة النباتات، بما في ذلك المزارعين، الفنيين، وموردي نباتات الزينة.
  • تراجع إنتاج المواد الطبيعية مثل الأخشاب، الزيوت، الأصباغ، وغيرها من المنتجات المستخلصة من النباتات.
  • تأثر الصناعات الزراعية مثل صناعة الأسمدة، المبيدات، ومستلزمات الزراعة المرتبطة بإنتاج نباتات الزينة.
  • انخفاض قيمة العقارات نتيجة تراجع مستوى التنسيق الطبيعي في المساحات الحضرية وفقدان الأشجار والمناظر الجمالية.
لذلك، يجب أن يكون التعامل مع أزمة المياه أكثر شمولية واستدامة، عبر تحسين تقنيات الري، واستخدام النباتات المحلية المتكيفة مع المناخ، بدلًا من التضحية بالنباتات التي تمنح حياتنا توازنًا بيئيًا وجمالًا بصريًا.

نباتات الزينة: حل بيئي وجمالي مستدام للمدن ومكافحة التصحر.

لا تقتصر أهمية نباتات الزينة على تجميل الأماكن العامة والخاصة، بل تتعداها لتؤدي دورًا بيئيًا حيويًا، خاصة في المدن ذات الكثافة السكانية العالية. فهي تساهم في تقليل درجات الحرارة، وتنقية الهواء من الملوثات، ورفع جودة الحياة في المناطق الحضرية. أما الأشجار، فهي تُعد خطوط الدفاع الأولى ضد التصحر وتآكل التربة، بفضل قدرتها على تثبيت التربة بجذورها العميقة، والحد من انجرافها نتيجة الرياح أو الأمطار. كما تعمل على منع زحف الرمال وحماية الأراضي الزراعية من التدهور، ما يعزز من استدامة الإنتاج الزراعي.

وفي هذا السياق، يُعتبر إنشاء "الأحزمة الخضراء" من أنجح الحلول البيئية، إذ تساهم هذه المساحات الخضراء الفاصلة بين المناطق الزراعية والصحراوية في الحد من آثار التصحر، وتحسين خصوبة التربة، وضمان بقاء الرقعة الزراعية في مواجهة التغيرات المناخية والبيئية.

هل يُغطي العائد الاقتصادي لنباتات الزينة تكلفة استهلاك المياه؟

تُثار أحيانًا تساؤلات حول مدى جدوى الاستمرار في زراعة نباتات الزينة في ظل أزمة ندرة المياه التي تعاني منها مصر، خاصةً مع ارتفاع تكلفة مياه الري. لكن الأرقام والإحصائيات تؤكد أن منافع نباتات الزينة تفوق بكثير كمية المياه التي تستهلكها. وفقًا للإحصاءات الرسمية، تُقدر إجمالي كمية المياه المستخدمة في الري في مصر بحوالي 65.61 مليار متر مكعب سنويًا. ومن بين هذه الكمية، لا تتجاوز حصة نباتات الزينة حوالي 216.5 مليون متر مكعب سنويًا، أي ما يمثل تقريبًا 0.33% فقط من إجمالي المياه الزراعية.

أما من حيث التكلفة، فباستخدام أنظمة الري الحديثة مثل الري بالتنقيط والري الموضعي، تُقدّر تكلفة ري نباتات الزينة بحوالي 433 مليون جنيه سنويًا، شاملاً تكاليف التشغيل والمعالجة. ورغم هذه التكلفة، فإن العائد الاقتصادي لنباتات الزينة يثبت جدواها بوضوح. فبحسب دراسة حديثة صادرة عن وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي، بلغ إجمالي قيمة سوق نباتات الزينة والزهور عالميًا عام 2021 نحو 39 مليار دولار، وكانت حصة مصر منها حوالي 0.7%، أي ما يعادل نحو 273 مليون دولار أمريكي.

بمقارنة بسيطة بين التكلفة والعائد، نلاحظ أن العائد من صادرات نباتات الزينة يتجاوز تكلفة الري بكثير، حتى عند احتساب الفارق في سعر العملة. وهذا دون احتساب العوائد غير المباشرة مثل فرص العمل، القيمة السياحية، وتحسين جودة البيئة.

وأكد الدكتور السعيد شعبان، أستاذ الاقتصاد الزراعي بجامعة الأزهر، أن السوق العالمية لنباتات الزينة تشهد نموًا سنويًا متوقعًا بنحو 6% خلال الفترة من 2023 إلى 2025، مما يفتح أمام مصر فرصة حقيقية لزيادة حصتها في السوق العالمي من خلال التوسع في الإنتاج والتصدير.

وبالتالي، فإن نباتات الزينة ليست عبئًا مائيًا كما يظن البعض، بل هي مورد اقتصادي وبيئي يجب الاستثمار فيه بحكمة، من خلال الإدارة الرشيدة للمياه والتوسع في أنظمة الري الحديثة.

هل هناك حلول مبتكرة لتقليل استهلاك المياه دون تقليل الرقعة المزروعة؟

بدلاً من اللجوء إلى تقليص المساحات المزروعة أو التخلي عن زراعة نباتات الزينة، سلكت العديد من الدول طريقًا "خارج الصندوق" لحل أزمة المياه، من خلال ابتكار استراتيجيات متكاملة تقوم على تقسيم المشكلة وتحميل كل جانب منها إلى الجهات المختصة لتقديم حلول فعّالة ومستدامة. وتعتمد هذه الاستراتيجية على تكاتف الجهود الحكومية والقطاع الخاص والمجتمع المدني، من خلال تنفيذ عدة محاور، من أبرزها:
  • دعم إنشاء المشاتل وزراعة نباتات الزينة، وتوفير الأسمدة ومواد مكافحة الآفات للمزارعين بأسعار مدعومة من قبل الدولة.
  • فرض استخدام نظم الري الحديثة كالري بالتنقيط والري تحت السطحي، للحد من الهدر في استهلاك المياه.
  • تفعيل شبكات الصرف الزراعي وإعادة استخدام مياه الري المُعالجة أكثر من مرة، مما يعزز كفاءة استخدام الموارد.
  • تشجيع الإنتاج المحلي من نباتات الزينة وفتح الأسواق التصديرية أمامها، خاصة إلى دول الخليج وأوروبا، مما يسهم في زيادة العائد الدولاري ودعم الاقتصاد الوطني.
  • تحفيز البلديات والأحياء الحكومية على تشجير الميادين العامة والجزر الوسطى للطرق، بهدف تقليل درجات الحرارة، وتحسين جودة الهواء عبر امتصاص ثاني أكسيد الكربون، وهو ما يصب في صالح صحة الإنسان ويخفف العبء الاقتصادي طويل الأمد.
  • الاستفادة من نباتات قليلة الاستهلاك للمياه مثل الصبّارات والنباتات العصارية، والتي تتميز بقدرتها العالية على التكيف مع البيئات الجافة، ويمكن إدراجها ضمن التصاميم التجميلية للمشروعات الكبرى.
  • حث المصممين والمعماريين على اختيار نباتات الزينة الصحراوية في مشاريعهم، لما لها من جمال بصري، وكفاءة بيئية، وعائد ملموس على مستوى التكلفة والصيانة.
بهذا الفكر المبتكر والتخطيط الذكي، يمكن لمصر أن تحافظ على مساحاتها الخضراء، وتوازن بين الاحتياجات البيئية والاقتصادية، دون أن تُهدَر مواردها الحيوية.

أهمية التوعية المجتمعية لحماية الأشجار والمسطحات الخضراء.

على الحكومات الحرص على نشر ثقافة الحفاظ على الأشجار والتشجير بدلا من قطعها وتوصيل فكره مساهمه الزراعات فى تقليل آثار التغير المناخي، وتعزيز الاستدامة البيئية، ممكن يكون حملات التوعيه عبر زيارات للمدارس والجامعات والقاء محاضرات بشكل دورى او حملات التوعية التلفزيونيه للوصول لاكبر قاعده من الجمهور.

حجم زراعة نباتات الزينة 0.33% فقط! مقارنة بإجمالي الزراعة في مصر؟

هل تعلم أن المساحة المزروعة بالمحاصيل الغذائية في مصر تُقدّر بحوالي 9 ملايين فدان، في حين لا تتجاوز مساحة زراعات نباتات الزينة 30 ألف فدان تقريبًا، أي ما يعادل نحو 0.33% فقط من إجمالي المساحة المزروعة. وتُبرز هذه النسبة مدى ضآلة المساحة المخصصة لمشاتل وأشجار ونباتات الزينة على مستوى الجمهورية، مما يؤكد أنها لا تمثل عبئًا حقيقيًا على الموارد الزراعية، بل يمكن استثمارها اقتصاديًا وبيئيًا بشكل أكثر فعالية.

أسواق التصدير لنباتات الزينة في مصر: نظرة بالأرقام.

على الرغم من تنوع نباتات الزينة المحلية في مصر، إلا أن البلاد تواجه تحديات كبيرة في المنافسة بقوة في السوق العالمية. فمنذ عام 2008، فقدت مصر جزءًا كبيرًا من أسواقها الرئيسية في أوروبا، مما أدى إلى انخفاض حاد في صادراتها. ومنذ ذلك الحين، أصبحت صادرات مصر من نباتات الزينة تمثل أقل من 10% فقط من إجمالي صادراتها إلى هذه الدول، وذلك بسبب المنافسة الشديدة من دول مثل إسرائيل وكينيا وإثيوبيا.

نتيجة لذلك، أصبحت أكثر من 90% من صادرات مصر من نباتات الزينة وزهور القطف موجهة إلى الأسواق العربية، على رأسها المملكة العربية السعودية، التي تُعد السوق الرئيسية لهذه المنتجات. ومن اللافت أن السعودية نفسها تعمل كحلقة وصل لإعادة تصدير هذه النباتات إلى باقي دول الخليج.

إذن، على الرغم من تنوع نباتات الزينة المحلية في مصر، فإن العوامل الاقتصادية والتنافسية تحد من قدرتها على التوسع والنمو في الأسواق العالمية. ورغم أن 95% من إنتاج مصر من نباتات الزينة يُوجّه للتصدير، مقابل 5% فقط للسوق المحلية، إلا أن ضعف حجم الإنتاج المحلي يظل السبب الرئيسي وراء تراجع حصة مصر في السوق العالمية.

ففي عام 2022 / 2023، وصلت قيمة صادرات نباتات الزينة المصرية إلى نحو 340 مليون دولار فقط. هذا الرقم يوضح أن بمقدورنا تحقيق عوائد دولارية مرتفعة من مساحات صغيرة من الأراضي، فما بالك إذا تم التوسع في الزراعة وإنشاء المزيد من المشاتل المتخصصة؟

مبادرة المليون شجرة: كيف غيّرت وجه المدن المصرية؟

هناك نماذج ناجحة قامت بها الحكومة المصرية كمبادرات "مليون شجرة" أو مشاريع تطوير الحدائق العامة، والتي ساهمت في تحسين البيئة المحلية وتقليل التلوث وتشجيع الزراعة المجتمعية. وقد انعكست هذه المبادرات بشكل إيجابي على الصحة العامة، من خلال تقليل درجات الحرارة في المناطق الحضرية، وتحسين جودة الهواء، وزيادة المساحات الخضراء المتاحة للمواطنين.

كما أسهمت في رفع الوعي البيئي لدى الأفراد، وخاصة الشباب، من خلال إشراكهم في أنشطة التشجير وتجميل الأحياء والمدارس. ويُعتبر دمج هذه المبادرات ضمن الخطط التنموية للمدن خطوة مهمة نحو تحقيق الاستدامة البيئية، وتحسين نوعية الحياة في المجتمعات الحضرية.

قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :

(إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا)

المصادر

  • معهد بحوث الاقتصاد الزراعي.
  • وزارة الزراعة واستصلاح الاراضي.
  • جريده الوطن 2023.
تعليقات